فصل: مسألة دعوت امرأتي إلى فراشي وامتنعت علي فأردت أن أضربها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الأحق بالحضانة:

وسئل: عمن فارق امرأته وله منها بنت فطرحتها إليه ولحقت بأهلها فتأيمت عندهم ما شاء الله ثم تزوجت لا تعرض للبنت ولا تريدها حتى ماتت، فلما ماتت قامت أمها تطلب البنت، بنت ابنتها لتأخذها.
فقال: ألذلك سنة؟ إذا كان لذلك سنة أو أكثر من ذلك أو أشباه ذلك فلا أرى ذلك لها، قد تركها وعضدها وإن كان ليس ذلك إلا يسيرا فإن ذلك لها.
وفي كتاب الطلاق: أن الأم نفسها أرادت أن تأخذ ولدها بعد تركها إياه، فقال مالك: إن كانت تركتهم من علة مثل أن تكون مرضت وانقطع لبنها فذلك لها، وإن كان على غير ذلك فليس ذلك لها، قال ابن نافع: وللجدة أن تأخذها إذا كانت في موضع أبيها.
قال محمد بن رشد: قد تكررت هذه المسألة في هذين الرسمين من هذا السماع من كتاب طلاق السنة وفي غيره من المواضع منه ومن غيره، ومضى القول عليها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة أيضا، فلا فائدة في إعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة جعل ليمينه بالطلاق على الفعل أجلا بعد أن كان أبهم يمينه أولا إلى غير أجل:

ومن كتاب الطلاق الثاني:
وسئل: عن مريض قال لامرأته: أنت طالق البتة إن لم تقومي علي؛ لأنكحن عليك أرفق بي منك أو أخرج إلى أنطابلس، فلم تقم عليه، ثم لقي رجلا فأخبره بيمينه، فقال له الرجل: ألا جعلت ليمينك أجلا، قال: فإني أشهدكم أنها طالق البتة، إن لم أتزوج عليها إلى ثلاث سنين، أو أخرج إلى أنطابلس.
قال: فليفِ بما جعل على نفسه، قيل له: إنه قد جاء الأجل ولم يفعل، قال: ليس ذلك له، قال أشهب فيها: يحال بينها وبينه، ويضرب له أجل المولي ولا يطأها إلى الأجل لأنه قد عقد على نفسه اليمين الأول إلى غير أجل، فإذا انقضت الأربعة الأشهر وقف فقيل له: تزوج أو اخرج إلى أنطابلس وإلا فرق بينكما، فإن لم يفعل طلق عليه بالإيلاء تطليقة، فإن انقضى أجل الثلاث سنين ولم يفعل شيئا مما حلف عليه وهي في بقية من عدتها من طلاق الإيلاء حنث، فطلق عليه بالبتة؛ لأن الحنث دخل عليه وهي امرأته، وإن لم تنقض السنون الثلاث حتى خرجت من العدة فقد بانت منه بلا طلاق ولا طلاق عليه بالبتة؛ لأن الحنث دخل عليه بها، وقال ابن نافع: يحنث بهذه الآخرة إذا انقضى الأجل ولم يفعل ما حلف عليه.
قال محمد بن رشد: قول مالك في الذي جعل ليمينه بالطلاق على الفعل أجلا بعد أن كان أبهم يمينه أولا إلى غير أجل: فليف بما جعل على نفسه، يدل على أنه فيما يؤمر به من على ما كان عليه قبل أن يجعل ليمينه أجلا، فلا يجوز أن يطأ؛ لأنه على حنث باليمين الأولى.
والوجه في ذلك: أنه ليس له أن يسقط عن نفسه حكم اليمين الأولى من أنه فيها على حنث لا يجوز له الوطء يضرب له الأجل في يمينه الثانية على القول بأن من حلف بالطلاق ليفعلن فعلا إلى أجل يجوز له أن يطأ إلى ذلك الأجل إذ قد اختلف في ذلك.
وقوله لما قيل له إنه قد جاء الأجل ولم يفعل- ليس ذلك له معناه ليس له أن يفيء بعد الأجل بفعل ما حلف عليه ليفعلنه إلى الأجل ويقع عليه الحنث بمضي الأجل، فقول أشهب تفسير لقول مالك، ومعناه: أنه يضرب له أجل المولي إن رفعته امرأته إلى السلطان وطلبته بحقها في الوطء، وقد بقي من الأجل أكثر من أربعة أشهر، فإن ضرب له أجل الإيلاء فطلق عليه فانقضت الثلاث سنين قبل أن تنقضي عدتها ولم يفعل شيئا مما حلف عليه وقع عليه الحنث بالطلاق، وإن انقضت عدتها من طلاق الإيلاء قبل حلول الأجل لم يلزمه بحلول الأجل شيء إلا أن يكون قد تزوجها قبل حلوله فترجع عليه اليمين ويحنث بحلوله إن لم يفعل ما حلف عليه قبله، وقول ابن نافع يحنث بهذه اليمين الآخرة إذا انقضى الأجل ولم يفعل ما حلف عليه، معناه: إن بقيت على حالها لم ترفع أمرها إلى السلطان وإلا طلق عليه بالإيلاء، فهو صحيح أيضا ليس بخلاف لقول مالك. وقد تأول ابن أبي زيد على مالك في قوله: فليفِ بما جعل على نفسه أن له أن يفيء قبل الأجل وبعد، وإنه لا يحنث بعد بانقضاء الأجل، وأن قوله: ليس ذلك له- معناه: ليس له من يمينه مخرج إلا بالفيء بفعل ما حلف عليه، وقال: إنما يصح ظاهر جواب مالك على أنه جعل الأجل للتزويج وأبهم الخروج إلى أنطابلس بلا أجل، فهذا لا يطلق عليه إذا مضت الثلاث سنين، ويدخل عليه الإيلاء إن رافعته، وهو تأويل بعيد، ومعناه: لو صح صحيح على أصولهم.

.مسألة حلف المرأة بالطلاق:

وسئل مالك: عمن كانت بينه وبين امرأته محاورة فتحالفا، فقال لها زوجها: ليس هذا بشيء، ولكن احلفي بالطلاق، فقالت: أنت طالق إن لم يكن كذا وكذا.
فقال: ليس للنساء طلاق.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أن الطلاق إلى الرجال ليس إلى النساء منه شيء، لقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1]، وقوله: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 231]... الآية، وما أشبه هذا من الآيات، إلا أن تملك نفسها أو تخير في أمرها، فتختار نفسها، فيجب لها ذلك على السنة فيه، لقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ} [الأحزاب: 28] الآية، وبالله التوفيق.

.مسألة قال في النصف من السنة امرأتي طالق البتة إن فعلت كذا وكذا هذه السنة:

وسئل: عمن قال في النصف من السنة: امرأتي طالق البتة إن فعلت كذا وكذا هذه السنة.
فقال: إن كان نوى ما بقي من السنة فذلك له، وإن لم يكن نوى شيئا فليستقبل من يوم حلف اثني عشر شهرا.
قال محمد بن رشد: إنه إن لم ينو شيئا فليستقبل من يوم حلف اثني عشر شهرا، ولم يذكر هل يلغي بقية ذلك اليوم أو يحسب من تلك الساعة، وقد مضى الاختلاف في ذلك والقول فيه في رسم البز من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وكذلك من قال: لله علي أن أصوم هذه السنة، يصوم اثني عشر شهرا من ذلك اليوم، إلا أن ينوي بقية تلك السنة، وقد مضى في رسم بع ولا نقصان عليك من كتاب الصيام ذكر الاختلاف الحاصل بين ابن القاسم وأشهب هل يعد ذلك اليوم ولا يقضيه، أو لا يعده كأنه يقضيه، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة سئل البائع أن يضع من ثمنها فحلف بالطلاق ألا يضع عنه:

ومن كتاب الأقضية الثالث:
وسئل مالك: عن موصى إليه باع ثلاثة أشياء من مال البيت بثمانية عشر دينارا ودرهمين فيمن يزيد، فأغلاها فيما يقولون بثلاثة دنانير، فسئل البائع أن يضع من ثمنها فحلف بالطلاق ألا يضع عنه، فسأله أن ينظره، فقال: إن لم يدخل علي في يميني شيء فقد أنظرته، فَأُفْتِيَ ألا شيء عليه في يمينه فأنظره، فجاءني أخو امرأته فأوقفتها عنه.
فقال: أرى أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما هذا الذي أراد، وما أراد إلا ألا يضع عنه من الثمن شيئا، وأنه لم يرد إلا أن ينظره، فإذا حلف على ذلك فلا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: تحصيل القول في هذه المسألة أن الحالف لا يخلو أن يريد بيمينه لا يضع عنه ألا يرفقه أو أن يريد بها ألا يضع عنه خاصة لا أن ينظره، أو ألا يكون له نية، فأما إذا نوى بيمينه ألا يضع عنه ألا يرفقه فهو حانث إن أنظره؛ لأنه إذا أنظره فقد أرفقه، وأما إذا نوى ألا يضع عنه خاصة لا ألا ينظره فلا حنث عليه إن أنظره.
واختلف إن كانت يمينه بما يقضي به عليه من الطلاق أو العتاق فطولب بذلك هل يصدق فيما ادعى أنه نواه بيمين أو بغير يمين؟ فقال مالك في هذه الرواية: إنه يستحلف، وقيل: إنه يصدق بغير يمين، وهو الذي أفتي به الحالف على ما ذكر في الرواية، وأما إذا لم تكن نية فظاهر الرواية أنه لا حنث عليه على مقتضى اللفظ إن أنظره، ويستظهر عليه باليمين أنه إن لم تكن له نية إن كان مطلوبا؛ لأنه يتهم أن يكون نوى ألا يرفقه على القول في لحوق يمين التهمة، وقيل: إنه حانث على المعنى؛ لأن مقصد الحالف ألا يضع ألا يرفق، وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه، وأما إذا حلف ألا ينظره فوضع عنه فلا حنث عليه قولا واحدا؛ لأن النظرة يخشى منها هلاك جملة الحق بمغيبه أو فلسه، فوجب ألا يحنث حملت يمينه على المعنى أو على مقتضى اللفظ، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لامرأته إذا قدمنا إلى المدينة فدخلنا الدار فأنت طالق:

وسئل مالك: عن رجل قال لامرأته بمكة وهما يريدان المدينة: إذا قدمنا إلى المدينة فدخلنا الدار فأنت طالق إن خرجت منها سنة، فقدمت فدخلت دارا أو دارين قبل أن تدخل منزل زوجها وخرجت منه إلى دارها، أترى عليه حنثا؟
قال: لا حنث عليه فيما دخلت من دار فخرجت منها قبل أن تصير إلى منزله، فإذا صارت إلى منزله ثم خرجت قبل انقضاء السنة حنث، قيل له: إنها قدمت نهارا؟ قال: تستقبل السنة من الليلة التي تأتي، قيل له: إنها دخلت منزلا غير منزله الذي يسكن فيه ثم خرجت إلى منزله، قال: أحب إلي ألا ينزلها حتى يقدم بها إلى منزله، قيل له: إنه أنزلها على أهل له تسلم عليهم ثم تصير إلى منزله، قال: فأنا آمره ألا يفعل فأحب إلي ألا ينزلها إلا منزله، ثم تخرج حتى تتم السنة.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة؛ لأن يمينه إنما وقعت على المنزل الذي يريد سكناه بها في المدينة، كان له أولها أو لغيرهما بكراء؛ لأنه لما قال: فدخلت الدار؛ معرفة بالألف واللام- علم أنه إنما أراد دار السكنى، فحملت على ذلك، ووجب أن لا يكون عليه شيء فيما سوى ذلك المنزل من الدور إن دخلت شيئا منها قبل أن تصير إلى ذلك المنزل، ولم تحمل يمينه على استغراق جنس الدور إذ لا يحمل مثل هذا اللفظ على استغراق الجنس إلا إذا عدم العهد، ولو قال فدخلنا دارا للزمته اليمين في أي دار دخلت، وقوله: إنها تستقبل السنة من الليلة التي تأتي هو على الاختلاف الذي قد مضى القول عليه في أول رسم البز من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته.

.مسألة حلف بالطلاق على أخته ألا يدخل عليها بيتا ما دام زوجها زوجها:

وسئل: عن رجل حلف بالطلاق على أخته ألا يدخل عليها بيتا ما دام زوجها زوجها، فأقام سنين لا يدخل عليها، ثم غاب زوجها ومرضت فانتقلتها أمها إلى بيتها تمرضها فدخل عليها.
قال: ما يعجبني، وأحب إلي ألا يدخل عليها، قال: إنها عندنا منذ شهرين، فقال: أحب ألا يدخل عليها، قيل له: أحب إليك ألا يدخل عليها؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: قوله ما يعجبني وأحب إلي ألا يدخل عليها تجاوز في اللفظ؛ لأن وجوب الحنث عليه بين بدخوله عليها في أي بيت كانت ما دامت في عصمة ذلك الزوج؛ لأنه لما قال بيتا بلفظ النكرة كان ذلك عموما في جميع البيوت إلا أن تكون له نية، ولو حلف ألا يدخل عليها بيتها لم يكن عليه شيء في دخوله عليها بيت أمها إذا انتقلت إليه لتمرض ونحو ذلك، وكذلك لو حلف ألا يدخل عليها البيت على قياس ما مضى في المسألة قبل هذه.

.مسألة دعوت امرأتي إلى فراشي وامتنعت علي فأردت أن أضربها:

ولقد قال لنا مالك: لقد جاءني رجل مرة يسألني فقال: إني دعوت امرأتي إلى فراشي وامتنعت علي فأردت أن أضربها فما ترى؟
فقلت له: والله ما أراك أن تفعل، قد يكون للنساء العذر والعلة.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا يجوز له أن يضربها إلا أن يتحقق أنه لا عذر لها في الامتناع منه في ذلك الوقت وإنما تذهب إلى الإضرار به في منعه بما أحله الله له من الاستمتاع بها الذي تكحتر عليه نشوزا عليه، قال الله عز وجل: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: 34]... الآية، معناه: تعلمون ذلك وتخافون زيادته.

.مسألة حلف أن يطأ امرأته الليلة فعالجها ولم يعالج وطأها حتى أصبح:

وقد جاءني رجل فقال: إني دعوت امرأتي في جوف الليل إلى فراشي فأبت، فقلت لها: أنت طالق البتة إن لم أصبك قبل الصبح، فجاءتني فأمكنتني من نفسها فعالجتها حتى مللت فلم أستطيع لها، بهذا قد ابتلى إلا أنه قال: إني استثنيت فقلت إلا ألا أقدر على ذلك، فعالجتها حتى قريبا من الصبح فلم أستطع لها فنمت حتى أصبحت فلم أر عليه شيئا، قيل: لم يقدر على إصابتها وقد استثنى الذي استثنى لو لم ينم حتى يصبح، فقلت له: أراك قد نمت، فلا أدري ما هذا.
قال محمد بن رشد: لم يعذره مالك في هذه المسألة وإن كان مغلوبا على ترك الوطء بعدم الاستطاعة إذ لم ير عليه شيئا من أجل أنه استثنى ألا ألا أقدر كما لا يعذره إذا غلب على ترك الفعل الذي حلف ليفعلنه بالنسيان، ولعمري أن بينهما فرقا؛ لأن النسيان للناسي فيه سبب، إذ لم ينس إلا بالاعتراض عن استدامة تذكر ذلك الشيء، فإذا نسي فعل ما حلف ألا يفعله، فقد كان في ذلك تفريط لزمه فيه الحنث، والذي حلف أن يطأ امرأته الليلة فعالجها ولم يعالج وطأها حتى أصبح لم يكن منه تفريط، فقد كان القياس أن يكون في حكم المكره لا يحنث، كمن حلف ألا يفعل فعلا فأكره على فعله، غير أنهم فرقوا في الأيمان في الإكراه على فعله وعلى ترك الفعل على قياس، ويحتمل أن يكون إنما أوجب عليه الحنث لأنه خشي أن يكون قد وقع منه تقصير في استدعاء اللذة بقلبه وصرف همته إلى ذلك دون أن يحيل فكره إلى معنى آخر؛ لأن هذا هو سبب الإنعاظ في جرى العادة، ألا ترى أن من خطرت ببابه خطرة في الصلاة فانعظ يومر أن يتذكر أمر الموت وما بعده ليكسر ذلك منه ما نابه من الإنعاظ، فلا يكون على هذا التأويل قوله في هذه الرواية خارجا عن القياس، ويكون على أصله في النسيان، ومن أهل العلم سوى مالك من يرى أنه مغلوب بالنسيان، فلا يرى عليه به حنثا في الفعل ولا في الترك، ويحتج بقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «تجاوز الله لأمتي عن الخطأ والنسيان وعما استكرهوا عليه» وبقوله: «إنما الأعمال بالنيات»، وهذا لا يلزم لأن المراد بذلك رفع الحرج في ترك الواجبات وفعل المحظورات على سبيل النسيان، لا فيما يلزم فيه الحنث مما لا يلزم فيه الحنث، وبالله التوفيق.

.مسألة تحريم الحلال هل يعد يمين:

وعن ثلاثة نفر ابتاعوا غنما فتقاووها بينهم، فاشترى أحدهم شاتين من الغنم بثمانية وأربعين درهما، فجزوا الغنم، ثم جاء الذي ابتاع الشاتين إلى أحد شريكيه، وهو الذي كان ابتاع الغنم وأشركهما، فقال له: هذه دراهمك ثمانية وأربعون درهما، فقال له الشريك: بل عليك ثمانية وأربعون درهما ونصف درهم، فقال: الحلال علي حرام إن كان علي إلا ثمانية وأربعون درهما، فدعا الشريك شريكهما الثالث، فقال: كم علي في ثمن الشاتين؟ فقال: ثمانية وأربعون درهما ونصف درهم، فقال: ما علي إلا ثمانية وأربعون درهما في ثمن الشاتين.
فقال له مالك: أنت على يقين من يمينك أنك لم تشتر هاتين الشاتين إلا بثمانية وأربعين درهما، فقال: نعم، فقال له مالك: إنك قد كنت حنثت قد حرمت عليك امرأتك، أرأيت إن لم يكن يلزمك هذا النصف على من يكون؟ فقال: يكون علينا ثلاثة، فقال: إن لم ترد شهادتهما بشيء فقد حنثت، فقال: ما أرد شهادتهما بشيء إلا أنهما كانا شريكين لي، فهما يجران لأنفسهما، فقال له: سلهما على شهادتهما وكررها عليهما، فلعلهما يثبتان على الشهادة، ويقولان: كنا نظن ذلك، فقال: قد ثبت الشهادة، فقال: إن لم ترد شهادتهما بشيء جازت شهادتهما عليك، فحرمت عليك امرأتك، فقال: بأي شيء أرد شهادتهما؟ ما أستطيع ذلك إلا أنها لي شريكان، فقال: إن لم ترد شهادتهما بشيء جازت شهادتهما عليك، فحرمت امرأتك، وإنما يكون على كل أحدهما دانق، فلا يتهمان في دافق على هذا فترد شهادتهما عنك بذلك، فإن لم ترد شهادتهما بشيء فقد حنثت، فقال له بعد ذلك بيوم: يا أبا عبد الله، أرأيت أن الحنث قد وقع علي بشهادتهما وهما يجران لأنفسهما لِيَسَارَةِ ذلك وأنهما لا يتهمان في شهادتهما من أجل دانق؟ فقال: نعم، وما يثبت ذلك له؟ ولكن رأيت أن العدل لا يتهم في شهادته حتى يرد في دانق يجره إلى نفسه، ولقد قلت أن ايتني بهما، فقال: يأبيان، ولست أدري أعدلان هما أم لا؟ فقال: إنما يتكلم في مثل هذا على العدالة، فقال: جاءني جازر أسود وكلهم جازر ولا أراهما إلا مثله، فإن كانا عدلين فلا أرى أن يتهما في مثل هذا، قيل له: أرأيت عليه الحنث بشهادتهما إذا كانا عدلين؟ أفرأيت ذلك النصف يقع عليه أم يطرح، فقال: لا أدري، ولقد قلت أرأيت هذا النصف إن لم يكن عليك على ما هو؟ فقال: هو علينا جميعا، وما أراه إلا وقد أصاب.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن الحالف لما نازعه شريكه في ثمن الشاتين فحلف بالحلال عليه حرام أنه لم يشترهما إلا بثمانية وأربعين درهما، قامت زوجته أو أحد بسببها يَدَّعِي عليه الحنث وشهد له شريكاه أنه اشترى منهما الشاتين بثمانية وأربعين درهما ونصف، فأجاز مالك رَحِمَهُ اللَّهُ شهادتهما عليه في الحنث بالحلال عليه حرام ولم يتهمهما في أنهما يجران إلى أنفسهما بشهادتهما بما يجب لهما من النصف الدرهم وهو ثلثان ليسارة ذلك كما قال في المدونة في الشاهد يشهد في الوصية وقد أوصي له فيها باليسير أن شهادته فيها جائزة فساوى في هذه الرواية في هذا، بين الوصية وغير الوصية، وهو القياس، وقال مالك للحالف: أنت على يقين أنك لم تشتر هاتين الشاتين إلا بثمانية وأربعين درهما؟ فلما قال له: نعم، سكت عن الجواب في ذلك وهو لا شيء عليه فيما بينه وبين الله إن كان صادقا، وقال له: إنك قد حنثت وحرمت عليك امرأتك، يريد في الحكم الظاهر، بشهادة شريكيك عليك أنك اشتريت الشاتين بثمانية وأربعين درهما ونصف إن لم ترد شهادتهما بشيء، فلعلهما لا يثبتان الشهادة.
فلما أخبره أنهما يثبتان الشهادة وأنه لا يقدر على رد شهادتهما إلا بأنهما شريكان له يجران إلى أنفسهما، لم ير ذلك مما يرد به شهادتهما ليسارة ذلك.
فوقف أشهب على ذلك بعد ذلك بيوم، وقال له: يا أبا عبد الله، أرأيت أن الحنث قد وقع عليه بشهادتهما وهما يجران لأنفسهما ليسارة ذلك، وأنهما لا يتهمان في شهادتهما من أجل دانق، فقال: نعم وما يثبت ذلك له؟ يريد للحالف، ولكن رأيت العدل لا يتهم في شهادته حتى يرد في دانق يجره إلى نفسه.
ووقفه أيضا هل يثبت على الحالف النصف بشهادتهما إن كانا عدلين ووجب عليه الحنث بها؟ فقال له: لا أدري.
ويتخرج على قولين:
أحدهما: أنه يثبت عليه النصف بشهادتهما فيكون لهما منه ثلثاه وهو الذي يأتي على قول ابن القاسم في المدونة في مسألة الشاهد يشهد في الوصية قد أوصي له فيها بشيء يسير، وهو قول مالك في رواية مطرف عنه.
والثاني: أنه لا يثبت عليه لهما من النصف شيء بشهادتهما، وهو قول ابن الماجشون في مسألة الوصية، وقد قيل: إن شهادتهما لا تجوز في الطلاق لجرهما إلى أنفسهما بشهادتهما ما يجب لهما من نصف الدرهم، وهو الذي يأتي على ما في المدونة؛ لأنه لم يجز فيها شهادة الشاهد لغيره إذا شهد لنفسه فيها بيسير إلا في الوصية، فهذه ثلاثة أقوال:
أحدهما: أن شهادتهما تجوز في الطلاق والمال؛ لأن شهادتهما في المال في ضمن شهادتهما بالطلاق.
والثاني: أن شهادتهما تجوز في الطلاق ولا تجوز في المال، إذ لا تجوز شهادة أحد لنفسه في قليل ولا كثير.
والثالث: أن شهادتهما تجوز في الطلاق، ولا في المال.
وفي المسألة قول رابع: أنهما إن طلبا المال بطلت شهادتهما في الطلاق، وإن لم يطلباه جازت شهادتهما في الطلاق، وهو الذي يأتي على ما في رسم الطلاق الثاني بعد هذا، وفي آخر نوازل سحنون من كتاب الأقضية.
وفي هذه المسألة معنى يجب أن يوقف عليه ويعرف وجهه، وهو أن الحالف لم يحلف بالحلال عليّ حرام أنه لم يشتر الشاتين إلا بثمانية وأربعين درهما إلا تكذيبا لشريكه فيما ادعاه عليه من أنه ابتاعهما بثمانية وأربعين درهما ونصف، ومن قولهم: إن من حلف تكذيبا لشهادة الشهود فلا يطلق عليه بشهادتهم، فكان القياس ألا تطلق عليه بشهادتهما؛ لأنه إنما حلف تكذيبا لأحدهما، والوجه في ذلك أنه أقر على نفسه باليمين ولم يثبت أنه حلف تكذيبا لأحدهما، وقد قيل: إن معنى المسألة أنه أنكر اليمين فشهد عليه بها الشريكان لزوجته، والأول هو الأظهر من لفظ المسألة.
ويلزم على قياس قول مالك في هذه المسألة لو شهد رجلان على رجل أنه حلف بالطلاق ما لأحد عليه حق، وإن لهما عليه ثلث درهم- أن تطلق عليه بشهادتهما ليسارة خطب ما شهدا به لأنفسهما، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لها إن كلمت فلانا فأنت طالق ثم قال لها إن كلمت فلانا سنة فأنت طالق:

ومن كتاب الأقضية وعن رجل:
قال لامرأته: إن كلمت فلانا فأنت طالق، ثم أقام أياما، فقال لها: إن كلمت فلانا سنة فأنت طالق، ثم أقام أياما، فقال: إن كلمت فلانا فأنت طالق، ثم إنه كلمته كم تطلق عليه؟
قال: أرى أن ينوى، فإن كان إنما أراد بذلك تطليقة واحدة يرددها عليها ويعلمها إياها يتهددها بذلك، فلا طلاق علية إلا تطليقة واحدة، قيل له: أفترى عليه فيما يزعم أنه نوى اليمين، فقال: نعم، أرى عليه اليمين لو نوى ذلك.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن الحالف طولب بهذه اليمين وهو مقر بها، فلهذا أوجب عليه اليمين فيما ادعى أنه نواه، ولو أتى مستفتيا غير مخاصم لصدق فيما ادعى أنه نوى دون يمين، وهو معنى ما في المدونة، وذلك أن طلاق الرجل امرأته وحلفه بالطلاق في مجالس شتى وأيام مفترقة لا يخلو من أربعة أحوال: أحدها: أن يأتي مستفتيا في ذلك غير مخاصم فيه ولا مطلوب به، والثاني: أن يطلب بذلك وهو مقر به على نفسه، والثالث: أن تقوم عليه البينة بذلك فيقر ولا ينكر، والرابع: أن ينكر فتقوم عليه البينة.
فأما إذا أتى مستفتيا في ذلك غير مخاصم فيه فذكر أنه قال امرأتي طلاق أو طالق إن فعلت كذا وكذا في يوم كذا وكذا، وأنه كرر ذلك ثانية وثالثة في أيام مفترقة فهذا يلزمه ثلاث تطليقات إلا أن تكون له نية أنه أراد بذلك تطليقة واحدة فرددها عليها إعلاما لها وتوبيخا وتقريرا وما أشبه ذلك، فتكون له نيته دون يمين.
وأما إذا طولب بذلك وخوصم وهو مقر به على نفسه وادعى أنه أراد بذلك تطليقة واحدة فينوى في ذلك مع يمينه على ما تأولناه في هذه المسألة.
وأما إذا قامت عليه البينة بذلك فأقر ولم ينكر وادعى أنه أراد واحدة فقيل: إنه لا ينوى لأن البينة قد حضرته، وهو قول ابن القاسم في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الشهادات، وظاهر قول ربيعة في الأيمان بالطلاق من المدونة أن الشهادة في الطلاق لا تلفق إذا اختلفت المجالس، وقيل: إنه ينوى وتكون واحدة لاحتمال أن يكون أراد طلقة واحدة فأشهد بها في أوقات شتى، والى هذا ذهب إسماعيل القاضي، وهو الذي يأتي على معنى ما في المدونة من أن الشهادات على الطلاق تلفق إن اختلفت المجالس، ومثله في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب الشهادات.
وهذا الاختلاف عندي إنما هو إذا شهدت كل واحد من البينة أنه قال: أشهدكم أنها طالق، فأما إن شهدت أنه قال أشهدكم أني قد طلقتها فإنه يُنَوَّى قولا واحدا، يقوم ذلك من قول أصبغ في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الشهادات.
وأما إن أنكر الطلاق جملة فلما شهدت عليه البينة ادعى أنه أراد واحدة فلا يُنَوَّى ويلزمه ثلاث تطليقات، هذا هو المشهور، وقد تخرج أنه ينوى بعد الإنكار على ما في رسم الكبش من سماع يحيى بعد هذا من هذا الكتاب، وعلى ما مضى في كتاب التخيير والتمليك، وفي رسم كتب عليه من سماع ابن القاسم، ورسم الطلاق من سماع أشهب، ورسم الكبش من سماع يحيى، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بطلاق امرأته ألا يكلم ابنته أبدا ولا يشهد لها محيا ولا مماتا:

وعن رجل حلف بطلاق امرأته ألا يكلم ابنته أبدا ولا يشهد لها محيا ولا مماتا أبدا ولا يدخل لها بيتا، فخرج مع امرأته يبلغها بيت ابنتها حتى إذا كان ببعض الطريق قعد وذهبت امرأته إليها فأخبرتها أن أباها خارج، فخرجت إليه فقبلته واعتنقته وأرسلت إليه طعاما وشرابا، فأتي به فأبى أن يطعمه، فقال له بعض من معه: ليس عليك شيء وأنت لم تحلف إلا تطعم لها طعاما فكل ولقمته بكفها وسقته بيدها.
فقال: لا أرى عليه حنثا، هو لم يكلمها ولا دخل منزلها، قيل له: إن منزلها في حائط ومن دونه حائط، فلما انتهى إلى الحائط الأدنى جلس هنالك حتى خرجت إليه، فقال: لم تقولوا لي هذا ولست أدري ما هو؟ فأما قولك الأول فلا أرى عليه حنثا، قيل له: فإن في يمينه ألا يشهد لها محيا ولا مماتا أبدا، ثم قد أكل من طعامها وشرب من شرابها ولقمته بكفها وسقته بيدها، فقال: ما فهمت هذا منه، وهذا مشكل ولست أدري ما هو؟
قال محمد بن رشد: القياس في هذه المسألة ما أجاب به أولا من أنه لا حنث عليه لأنه حلف ألا يكلمها ولا يدخل لها بيتا ولا يشهد لها محيا ولا مماتا أني مشهد ولا جنازة ولم يفعل شيئا من ذلك ثم توقف لما قيل له إن منزلها في حائط داخل حائط، وأنه لما انتهى إلى الحائط الأدنى إلى منزلها جلس هنالك حتى خرجت إليه، وخشي أن يكون الحائطان جميعا في حكم منزلها لما كان داخلهما على أصله من أن من حلف ألا يدخل بيت رجل يحنث بدخول منزله، وهو إغراق لمؤنه إنما يحنث بدخول المنزل من حلف ألا يدخل البيت؛ لأن المنزل وهو الدار مسكن كما أن البيت مسكن، وليست الحوائط بمساكن، وابن القاسم لا يرى أن يحنث بدخول الدار من حلف ألا يدخل البيت، على ما يأتي في رسم الرهون من سماع عيسى، فكيف بهذا؟ وخشي أيضا أن يكون معنى يمينه اجتناب أمرها كله، فيحنث بأكل طعامها وإطعامها إياه بيدها، والأمحص أنه لا حنث بذلك؛ لأنه قد سمى جميع ما حلف عليه وليس هذا من معناه، والله أعلم.